تُعْتَبَر سُورَة البَقَرَة مِن أَعْظَم سُور القُرْآنِ الْكَرِيمِ، اذْ تَكَرّمها اللهُ بأن يَجْعَلَهَا أَكْبَرَ سُورَتِهِ. وقدْ جَاءَتْ هَذِهِ السُورَة بِعَدَد مَنْاسِب مِنْ الْآيَاتِ والأَحْكَامِ لِتَشْمِلَ وتَخْيَرَ الْعَقْلَاء مِنْ عِبَادِهِ، فَبِهَا يَجْبُ أَنْ نَتَعَلَّمُ وَنَتَذَكَّرُ أَحْكَامَ الله تَعَالَى، وفِيمَا يَأْتي سَنَذْكُرُ بِإيجَاز رَأْسِية مَعَنَى سُورَة البَقَرَة، أَسْبَابِ نَزُولِهَا، وذِكْرَهَا لَمَوْاعِظِ وَأَخْلَاقٍ نَاجِزَة يَنْبَغِي لِكُلِ عَاقِلٍ أَنْ يَعِيهَا.
أولاَ: معَنَى سُورَة البَقَرَة
تَرْجِمَةُ اسْمِ السُّورَةِ باللُغَةِ الْعَرَبِيَّةِ هُو “الْبَقَرَةُ”، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ كَلِمَةٍ “بَقَرَة” وْهِيَ تُعَارِضُ الجَمَالَ، فَيَحْمِلُ لِكَ عِدَة مَعَانِي، مِنْ بَيْنِهَا:
الأَخْلَاقُ الْعَامَّةُ لِلاِنْسَان: كَوْنُهُ مُدْهِشًا وغَضّاً أَيِ لَا يَضَعُ الْجَمَالُ أَبَدًا مِنْ قائِمَتِهِ.
السُّيرِ الْخَصَّةِ فيَ حَيَاةٍ الْإِنْسَان: وَهُوَ أَنْ السُورة تَتَعَرَّضُ لِمَوَاضِيعَ شَتَّى تَتَصَدَّرُهَا تَعَامُلُ الْإِنْسَانِ مَع النِّعَمِ وَالْمَوَاعِظُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِالتَّحْلِي بهَا.
نَلاحِظُ أَن هَذَا الْتَنَوعَ فِي مَعَانِي السُّورَةِ دَلِيلٌ عَلَى شُمُولِيَّتِهَا وتَصَدُّرِهَا لهَامِشِ عَدَّة مَوَاضِيعَ.
ثانيًا: أسباب نزول سورة البقرة
َأَصْلُ نَزُولِ سُورَةِ البَقَرَةِ لَيْسَ وُفْقاً بِالتَّحْديدِ، فَمَعْظَمُ الْمُفَسِّرينُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ دُوْرَانٌ لَحَالَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ تَشَهُّدهَا الأُمَّةُ وَأَسَفَرَتْ عَنْ سِلْسِلَةٍ مِنَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَهُمُّ الأُمَّةَ.
وَأَحْيَانًا تُذْكَرُ أَحْكَامٌ تَشَكُّلُ تَعَامُلُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَيَاتِهِم مَثَلَ فِي آخِرِ السُّورَةِ حِينَ تُحَذِّرُ مِنَ الْكَمِيَّةِ وَالرِّبَا وَغَيْرِهَا.
ثالثاً: مواعظ سورة البقرة
يُذْكَرُ فِي سُورَةِ البَقَرَةِ عِدَّةُ مَوَاعِظِ وَحِكْمٍ نَافِعَةٍ، نَذْكُرُ بَعْضُهَا:
أَمْرُ اللهُ بِأَنْ يَكْوُنَ الإِنْسَانُ خَافِيًا لا يَحْضُرْ بِهِ عِلَى المَنَاطِقِ التَّيْ تُخَصّ بِاللَّهِ وَالآخِرَةِ التَّيْ يُعْطَى لَهَا النَاصِيَةَ مِنَ الأَحْكَامِ الحَامِلَة الْمَعَنَى.
إِبْلَاغُ الله تَعَالَى الْجُمْعَ مِنَ الْمَآلِ قائِلاً: “لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ”، وَهُوَ الَّذِي يُغْنِى عَنِ النَّفَقَةِ وَيُكَثِّرُ فِي صَحَّةِ النَّفْسِ وَالرضَا بالْحَيَاةِ.
الأَمْرُ بِعَدَمِ تَرْكِ الْبَاطِلِ، فَيُحْثَ عَلَى الْحَقِّ وَيُمْنَعُ عَنِ الْكَذِبِ وَالْفَسَادِ، وَيُعَيِّرُ الْمُتَكَدِّسُونَ مِنَ العِبَادِ السيئين.
آيات مِنْ بَيْنِهَا تَشْمِلُ فِيهَا اللَّائِحَةُ العَمَلَيةُ مِنْ بَعْضِ بُنْدَاهَا.
رَغْمَ تَنَوُعِ الْمَوَاضِيعَ الَّتِي تَتَنَاوَلُهَا سُورَة البَقَرَة، إِلَّا أَنَّهَا جَمَعَتْ مَوَاعِظَ وَحِكْمًا تَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَتَأَمَّلُ فِي خَلْقِهِ ويُحَافِظُ عَلَى نَفْسِهِ.
رَابْعاً: الأسئلة الأكثر تَكْرِارًا حَوْلَ سُورة البَقَرَة
1. مَنْ هُوَ الرَّسُولُ الَّذِي تَحَدَّثَهُ الله في سُورَةِ البَقَرَةِ؟
أجَابَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي قولِهِ تَعَالَى: “َُوذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ”. وَهُوَ رَسُولُ الله مُوسَىٰ عَلَيْه جَزَّتْ السَّلَام.
2. مَاذَا يَكُونُ وَعْدُ اللَّهِ وَفَرَجَهُ فِي سُورَةِ البَقَرَة؟
وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى:”فَإِن تَابَوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”. فَالْوَعْدُ هُوَ إنْ صَلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ تَحْتَ خَيْرِ مِنْ مَا يَرَجِّىٰنَ عِبَادَهُ، وهُوَ الظَّفِيرَةُ وَالإِجْرُ العَظِيمُ.
3. مَا هُوَ التَّفْسِيرُ الْعَمِيقُ لآيةِ الْكُرْسِيِّ؟
هُوَ الآية التي تَأْمُرُنَا بِتَرْكِ الْأَمْرِ فِي قبْضةِ الله وأنْ يَرَاقِبَنَا الله مِنْ خَافِض الْعَظَمَةِ، وهُوَ من أعظم آيات القُرْآن الكَرِيم.
يَتَطَلَّبُ الأَمْرُ أَنْ نَحْظَى بِتَمْعُنٍ عمِيقٍ لمُعَانَي الكُرْسِي، حِيثُ يُوَضّحُ فِيْهَا اللهُ تَعَالَى أَنّهُ لا يَكُونُ للحَيَاةِ الدُّنْيَا أَكَابِرُ شأناً، بَلْ هِيَ قَابِلةٌ للْتَبَايُنِ والْفَقْرِ.
فِي تِلْكَ الآيَاتِ أَيْضًا يُبَيِّنُ اللَّهُ حُدُودَ قُدْرَتِهِ وعِظَمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَإِعْلَامُهُ عَلَيْنَا بِذَلِكَ يَحْدِثُنَا بِإِحْسَاسٍ مُرِيِحٍ وَيُفَرِّجُ الْكَرْبَ وَالْحُزْنَ.
في النِّهَايَةِ يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا تَوخِي الْعِنَايَةَ بِسُورَةِ البَقَرَةِ لأنَّهُا تَشْمَلُ قَوَانِينَ عَدِيدَةً وَأَحْكَاماً كَثِيرَةً بِالإِضَافَةِ إِلَى المَوَاعِظِ الرَّائِعَةِ وَالْحِكْمِ الَّتِي تَنْفَعُ الإِنْسَانَ وَتَعْزِزُ عَلَى رِحْلَتِهِ إِلى اللَّهِ في الدُّنْيَا والآخِرة. يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمُ وَنَتَذَكَّرُ أَحْكَامَ الله تَعَالَى، وَأنْ نَسْعَى جَاهِدِينَ لِتَطْبِيقهَا فِي حَيَاتِنَا الْمُخْتَلِفَةَ.