تفسير قول الله تعالى الطيبون للطيبات: معاني ودلالات
قال الله تعالى في سورة النور الآية رقم 26: “يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”. ومن سُنَنِ الأنبياء والرسل وأتباعهم الأوائل هو تأكيدهم على أهمية الطهارة والنظافة، وكانوا يرونها من بين الأسباب الرئيسية وراء إقامة العبادات وتأدية الطاعات.
في هذا السياق، فإن طيب العمل هو من أساسيات الدين الإسلامي، وحق للمسلم أن يحرص على طهارة دنياه ودينه، وأن يجتنب كل ما يسيء إلى نفسه وآخرين. وقد بيّن الله ذلك في قوله في سورة النساء الآية رقم 29: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”.
وللحفاظ على هذه القيم والمبادئ، أعطى الله تعالى أوامر بالعمل بها، وأخبر عباده بالنتائج التي ينتج عن تطبيق هذه الأوامر، ومن بين تلك الأوامر هي المحافظة على الطهارة والنظافة، والمحافظة على الخلق الحميد والعمل الصالح.
وفي هذا السياق، تأتي آية الله الكريم الواردة في سورة النور الآية رقم 26، حيث يقول الله تعالى: “الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ”، فالسؤال الذي يطرح هو: ما هو المقصود بهذه الآية، وما هي المعاني الدقيقة والدلالات العميقة التي تحملها؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نتفحص الآية بعمق، ونعيد فهم أوامر الله فيها، مع تحليل المفردات المستخدمة فيها، والعلاقات الواردة بينها، وسنتعرض فيما يلي إلى تفصيل كل ما يتعلق بهذه الآية العظيمة.
تفسير الآية
في البداية، من الواضح أن كلمة “الطَّيِّبَاتُ” في الآية تشير إلى كل ما هو نقي وصالح وطيب المعروفات في العربية المعاصرة، بالإضافة إلى الطعام والشراب والملبس والأثاث والأدوات المستخدمة في الحياة اليومية، فيما يشير مصطلح “الطَّيِّبُونَ” إلى الأفراد الذين يحرصون على النظافة والخلق الحميد، والعمل الصالح والأخلاق الحسنة.
ومن المهم أن نتعرف على خلفية صياغة هذه الآية، فهي جاءت في وسط آيات تتحدث عن الحد من الرذائل والشهوات والأعمال الفاضحة والمشينة، وتدعو المسلمين إلى حمل الريشة تأنًّا عند اتخاذ القرارات، وعدم رمي العائل والأشكال باللوم وإلقائهما في الظلمة.
وتأتي هذه الآية أيضاً في سياق الأحوال الزوجية، حيث تحث قوم المؤمنين على الزواج والعفة والطهارة، وتحذرهم من الخيانة والرذيلة والفساد. ولذلك، تُعَدُّ هذه الآية الغنية بالمعاني والدلالات هي النهاية الطبيعية لهذا السياق الذي يستعرض القيم الأساسية للبشرية ومتطلبات حياة أفضل.
تدل على تعزيز الخصال الحميدة
ومن الظاهر أن الآية تدعو الإنسان إلى تعزيز الخصال الحميدة في نفسه، بحيث يطرد كل ما هو سيئ وقذر، ويحرص على كل ما هو طيب ونقي. وذلك لأن الله تعالى لا يحب الأشخاص الذين يتصفون بالشذوذ والشرور والفساد، وإنما يحب الأشخاص الصالحين الذين يجتنبون الأفعال السيئة ويحرصون على الأخلاق الحميدة.
وبالمثل، فإن الله تعالى يحب الأشخاص الذين يقدمون الخير ويكره الأشخاص الذين يقدمون الشر، فعندما تمتلك النفس الأخلاق الحميدة والأعمال الطيبة، فإنها سوف تستقطب الخير وتجتذب المصالح، وبالتالي، فإنه يتحقق فيها ما تم ذكره في الآية المذكورة في البداية.
تشجع على البحث عن الطهارة والنظافة
وفي هذا السياق، يمكننا أيضًا أن نرى أن الآية تشجع على البحث عن الطهارة والنظافة، سواء كان ذلك في الأفكار والنوايا أو في الأماكن والمنازل. وللحصول على هذه الطهارة والنظافة، يجب أن تقوم النفس بترديد وتذكر وتكرار الدعاء والأذكار، وأن تحافظ على نظافة الجسم والملبس والمأكل والمشرب والبيت والمكان والسلوك.
وعندما يتحقق ذلك، فإن الإنسان سوف يكون طيِّبًا، وفي هذا النوع من الأشخاص، فإنه سوف يكون له القدرة على المحبة والسلامة والاستقرار والسعادة والرغد.
تشدد على الزواج والعفاف
وكما ذُكِرَ سابقًا، فإن العتبة العالية للآية تشدد على الزواج والعفاف، وتحذر المسلمين وغيرهم من الخيانة والرذيلة والفساد، وعلى الرغم من أنَّ الآية لا تحدد الملكية التي يقتصر عليها التأثير بين الزوجين، فإن من الممكن أن تستخدم سياقاتٍ مختلفة في الآيات السابقة واللاحقة للإشارة إلى الحياة الزوجية.
وبالمثل، فإن الآية تحذر الأزواج من الخيانة والفساد، سواء كان ذلك في الأمور الشخصية أو الاجتماعية، وتدعوهم إلى العفة والصدق والأمانة والأخلاق الحميدة والتقوى في ممارساتهم وسلوكهم، وإذا تبعثرت هذه القيم، فإنها يمكن أن تشجع الخلق السيء والنزوات الرذيلة، ومن ثم، الفساد والانحلال.
يدعو إلى الاهتمام بالمظهر الخارجي
وبالإضافة إلى ذلك، يدعو هذه الآية إلى الاهتمام بالمظهر الخارجي، حيث لاحظ الفقهاء الإسلاميون أنه يجب على المسلمين الحرص على التحلي بالنظافة والنظرة الشرعية في المظهر الخارجي، مثل اللحية النظيفة والشعر النظيف والملابس الأنيقة والنظيفة والعطور الحسنة والنظافة الشخصية الدقيقة.
وتحتل مهارات النظافة والمظهر الجيد أيضًا مكانًا خاصًا في العلاقات الاجتماعية والطبيعية، حيث يوفر الخلق السليم والنظافة والنزاهة النفسية الحقيقية للمسلمين الوفاء بمتطلبات الحياة العامة والبيئة الاجتماعية.
دلالات الآية
يمكننا أن نفهم من خلال تحليل المفردات والعلاقات الواردة في الآية الكريمة، بالإضافة إلى السياق والظروف التي صفت بلائحة كما ذُكِرَ سابقًا، مجموعة من الدلالات المهمة والمفيدة والعميقة، والتي تحمل معاني متعددة ومختلفة، وفيما يلي نتعرض إلى أبرز هذه الدلالات:
الطِيْب: يشير إلى كل ما هو نقي وصالح وطيِّب.
المعنى الدقيق: يشير هذا المصطلح إلى أعمال الخير والصلاح، والأخلاق الحميدة، وممارسات العمل المخلص. وبالتالي، تكون هذه الأشياء مقدرات بالطيبين، وتجتذب إليهم كل ما هو جيد وطيب.
الطيبون: يشير إلى الأفراد الذين يحرصون على الصلاح والأخلاق الحميدة، والعمل المخلص، وممارسات إجتناب الأفعال السيئة.
المعنى الدقيق: يشير هذا المصطلح إلى الناس الصالحين، والذين يحرصون على الطهارة والنظافة، والذين يتبعون الأخلاق الحميدة، والذين يعيشون حياة نزيهة.
تدل على علاقة الصدق والشريك
ويمكن أن نرى، باعتبار هذه الآية والسياق الذي تأتي فيه، أنها تدل على علاقة الصدقة بين الزوجين وطريقة إثبات الطهارة والعفاف، وهذا يأتي رغم أنَّ لا يُغتَنَمُ الإنسان بدافع الحياء والذل، ولا بوجه الاستفزاز والجنسية، إنما يصنع لكي تكون علاقته بالزوجة صادقة وعفيفة.
ويتطلب ذلك التحلّي بدرجات عالية من الأخلاق والبرية والنقاء والشفافية، والتحلي بصفات الإنسانية الشريفة، مثل الصدق والقدرة على التأمل والتوازن والتحكم في النزوات والأهواء والإف